كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي الإتقان أخرج الإمام أحمد في تاريخه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه فنزل عليه القرآن على لسانه عشر سنين انتهى، وو صريح في خاف ذلك وإن كان فيه ما يخالف الصحيح المشهور من أن جبريل عليه السلام هو الذي نزل عليه عليه الصلاة والسلام بالوحي من أول الأمر إلا أنه نزل عليه صلى الله عليه وسلم غيره عليه السلام من الملائكة أيضًا ببعض الأمور، وكثيرًا ما ينزلون لتشييع الآيات القرآنية مع جبريل عليه وعليهم السلام.
ومن الناس من اعتبر كونها باعتبار الأغلب لأن إنزال جبريل عليه السلام قد لا يكون على القلب بناءًا على ما ذكره الشيخ محيى الدين قدس سره في الباب الرابع عشر من الفتوحات من قوله: إعلم أن الملك يأتي النبي عليه الصلاة والسلام بالوحي على حالين تارة ينزل بالوحي على قلبه وتارة يأتيه في صورة جسدية من خارج فيلقى ما جاء به إلى ذلك النبي على أذنه فيسمعه أو يلقيه على بصره فيبصره فيحصل له من النظر ما يحصل من السمع سواء.
وتعقب بأنه لا حاجة إلى ما ذكر، وما نقل عن محيي الدين قدس سره لا يدل على أن نزول الوحي إلى كل نبي يكون على هذين الحالين فيجوز أن يكون نزول الوحي إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قد يكون بتمثل الملك بناء على بعض الأخبار الصحيحة في ذلك لكن لا نسلم أنه يدل على أن نزول الوحي إذا كان الموحى قرآنًا يكون على الحال الثانية سلمنا دلالته على ذلك لكن لا نسلم صحة جعله مبني لتأويل الآية، وكيف يئول كلام الله تعالى لكلام مناف لظاهره صدر من غير معصوم، ويكون محيى الدين قدس سره من علماء الشرعية أن يئولوا كلامه ليوافق كلام الله عز وجل فيسلم من الطعن، ولعل من يئول في مثل ذلك يحسن الظن بمحيي الدين قدس سره ويقول: إنه لم يقل ذلك إلا لدليل شرعي فقد قال قدس سره في الكلام على الإذن من الفتوحات: اعلم أني لم أقرر بحمد الله تعالى في كتابي هذا ولا غيره قد أمرًا غير مشروع وما خرجت عن الكتاب والسنة في شيء من تصانيفي، وقال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الكتاب المذكور جميع ما أتكلم به في مجالسي وتأليفي إنما هو من حضرة القرآن العظيم فإني أعطيت مفاتيم العلم فيه فلا أستمد قط في علم من العلوم إلا منه كل ذلك حتى لا أخرج عن مجالسة الحق تعالى في مناجاته بكلامه أو بما تضمنه كلامه سبحانه إلى غير ذلك فالداعي للتأويل في الحقيقة ذلك الدليل لا نفس كلامه قدس سره العزيز وهو اللائق بالمسلمين الكاملين.
وقوله تعالى: {لِتَكُونَ مِنَ المنذرين} متعلق بنزل أي نزل به لتنذرهم بما في تضاعيفه من العقوبات الهائلة.
وإيثار ما في النظم الكريم للدلالة على انتظامه صلى الله عليه وسلم في سلك أولئك المنذرين المشهورين في حقية الرسالة وتقرر العذاب المنذر به، وكذا قوله سبحانه: {بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ}.
متعلق بنزل عند جمع من الأجلة ويكون حينئذ على ما قال الشهاب بدلًا من {بِهِ} [الشعراء: 193] بإعادة العامل، وتقديم {لِتَكُونَ} [الشعراء: 194] الخ للاعتناء بأمر الإنذار ولئلا يتوهم أن كونه عليه الصلاة والسلام من جملة المنذرين المذكورين متوقف على كونه الإنزال بلسان عربي مبين، واستحسن كون الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير {بِهِ} أي نزل به ملتبسًا بلغة عربية واضحة المعنى ظاهرة المدلول لئلا يبقى لهم عذر، وقيل: بلغة مبينة لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم على أن {مُّبِينٌ} من أبان المتعدي، والأول أظهر.
وجوز أن تعلق الجار والمجرور بالمنذرين أي لتكون من الذين أنذروا بلغة العرب وهم هود وصالح وإسمعيل وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم، وزاد بعضهم خالد بن سنان وصفوان بن حنظلة عليهما السلام وتعقب بأنه يؤدي إلى أن غاية الإنذار كونه عليه السلام من جملة المنذرين باللغة العربية فقط من هود وصالح وشعيب عليهم السلام، ولا يخفى فساده كيف لا، والطامة الكبرى في باب الإنذار ما أنذره نوح وموسى عليهما السلام، وأشد الزواجر تأثيرًا في قلوب المشركين ما أنذره إبراهيم عليه السلام لانتمائهم إليه وادعائهم أنهم على ملته عليه السلام، وذكر بعضهم أن المراد على هذا الوجه أنك أنذرتهم كما أنذر آباؤهم الأولون وأنك لست بمبتدع بهذا فكيف كذبوك، والحق أن الوجه المذكور دون الوجه السابق، وأما أنه فاسد معنى كما يقتضيه كلام المتعقب فلا.
{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} أي وإن ذكر القرآن لفي الكتاب المتقدمة على أن الضمير للقرآن والكلام على حذف مضاف وهذا كما يقال: إن فلانًا في دفتر الأمير.
وقيل: المراد وإن معناه لفي الكتب المتقدمة وهو باعتبار الأغلب فإن التوحيد وسائر ما يتعلق بالذات والصفات وكثيرًا من المواعظ والقصص مسطور في الكتب السابقة فلا يضران منه ما ليس في ذلك بحسب الظن الغالب كقصة الإفك وما كان في نكاح امرأة زيد وما تضمنه صدر سورة التحريم وغير ذلك.
واشتهر عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه جوز قراءة القرآن بالفارسية والتركية والهندية وغير ذلك من اللغات مطلقًا استدلالًا بهذه الآية.
وفي رواية تخصيص الجواز بالفارسية لأنها أشرف اللغات بعد العربية لخبر لسان أهل الجنة العربي والفارسي الدري.
وفي رواية أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية إذا كان ثناء كسورة الإخلاص أما إذا كان غيره فلا تجوز وفي أخرى أنها إنما تجوز بالفارسية في الصلاة إذا كان المصلي عاجزًا عن العربية وكان المقروء ذكرًا وتنزيهًا أما القراءة بها في غير الصلاة أو في الصلاة وكان القاريء يحسن العربية أو في الصلاة وكان القارىء عاجزًا عن العربية لكن كان المقروء من القصص والأوامر والنواهي فإنها لا تجوز، وذكر أن هذا قول صاحبيه وكان رضي الله تعالى عنه قد ذهب إلى خلافه ثم رجع عنه إليه.
وقد صحح رجوعه عن القول بجواز القراءة بغير العربية مطلقًا جمع من الثقات المحققين وللعلامة حسن الشرنبلالي رسالة في تحقيق هذه المسألة سماها النفحة القدسية في أحكام قراءة القرآن وكتابته بالفارسية فمن أراد التحقيق فليرجع إليها.
وكان رجوع الإمام عليه الرحمة عما اشتهر عنه لضعف الاستدلال بهذه الآية عليه كما لا يخفى على المتأمل.
وفي الكشف أن القرآن كان هو المنزل للإعجاز. إلى آخر ما يذكر في معناه فلا شك أن الترجمة ليست بقرآن وإن كان هو المعنى القائم بصاحبه فلا شك أنه غير ممكن القراءة، فإن قيل: هو المعنى المعبر عنه بأي لغة كان قلنا لا شك في اختلاف الأسامي باختلاف اللغات وكما لا يسمى القرآن بالتوراة لا يسمى التوراة بالقرآن فالأسماء لخصوص العبارات فيها مدخل لا أنها لمجرد المعنى المشترك اه، وفيه بحث فإن قوله تعالى: {وَلَوْ جعلناه قُرْءانًا أعْجَمِيًّا} [فصلت: 44] يستلزم تسميته قرآنًا أيضًا لو كان أعجميًا فليس لخصوص العبارة العربية مدخل في تسميته قرآنًا، والحق أن قرآنًا المنكر لم يعهد فيه نقل عن المعنى اللغوي فيتناول كل مقروء، أما القرآن باللام فالمفهوم منه العربي في عرف الشرع فلخصوص العبارة مدخل في التسمية نظرًا إليه، وقد جاء كذلك في الآية الدالة على وجوب القراءة أعني قوله سبحانه: {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان} [المزمل: 20] وبذلك تم المقصود، وجعل من فيه للتبعيض وإرادة المعنى من هذا البعض لا يخفى ما فيه، وقيل: ضمير {أَنَّهُ} عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بواضح.
وقرأ الأعمش {زُبُرِ} بسكون الباء.
{أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَةً} الهمزة للتقرير أو للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل: اغفلوا عن ذلك ولم يكن لهم آية دالة على أنه تنزيل رب العالمين وإنه لفي زبر الأولين على أن {لَهُمْ} متعلق بالكون قدم على اسمه وخبره للاهتمام أو بمحذوف هو حال من {ءايَةً} قدمت عليها لكونها نكرة و{ءايَةً} خبر للكون قدم على اسمه الذي هو قوله تعالى: {أَن يَعْلَمَهُ مَعِىَ بَنِى إسرائيل} لما مر مرارًا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والعلم بمعنى المعرفة والضمير للقرآن أي ألم يكن لهم آية معرفة علماء بني إسرائيل القرآن بنعوته المذكورة في كتبهم، وعن قتادة أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: العلم على معناه المشهور والضمير للحكم السابق في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين نَزَلَ بِهِ الروح الامين على قَلْبِكَ} [الشعراء: 192 194] الخ وفيه بعد كما لا يحفى، وذكر الثعلبي عن ابن عباس أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن النبي فقالوا: هذا زمانه وذكروا نعته وخلطوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية في ذلك، وهو ظاهر في أن الضمير له عليه الصلاة والسلام ويؤيده كون الآية مكية.
وقال مقاتل: هي مدنية، وعلماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام ونحوه كما روى عن ابن عباس ومجاهد، وذلك أن جماعة منهم أسلموا ونصوا على مواضع من التوراة والإنجيل فيها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: علماؤهم من أسلم منهم ومن لم يسلم، وقيل: أنبياؤهم فإنهم نبهوا على ذلك وهو خلاف الظاهر، ولعل أظهر الأقوال كون المراد به معاصريه صلى الله عليه وسلم من علماء أهل الكتابين الملسمين وغيرهم وقرأ ابن عامر والجحدري {تَكُنْ} بالتأنيث و{ءايَةً} بالرفع وجعلت اسم تكن و{أَن يَعْلَمَهُ} خبرها.
وضعف بأن فيه الاخبار عن النكرة بالمعرفة، ولا يدفعه كون النكرة ذات حال بناء على أحد الاحتمالين في {لَهُمْ}، وجوز أن يكون {ءايَةً} الاسم و{لَهُمْ} متعلقًا بمحذوف هو الخبر و{أَن يَعْلَمَهُ} بدلًا من الاسم أو خبر مبتدأ محذوف، وأن يكون الاسم ضمير القصة و{لَّهُمْ ءايَةً} مبتدأ وخبر والجملة خبر تكن {وَأَنْ يَعْلَمْهُ} بدلًا أو خبر مبتدأ محذوف.
وأن يكون الاسم ضمير القصة و{ءايَةً} خبر {أَن يَعْلَمَهُ} والجملة خبر تكن وأن تكون تكن تامة و{ءايَةً} فاعلًا و{أَن يَعْلَمَهُ} بدلًا أو خبرًا لمحذوف و{لَهُمْ} إماحالًا أو متعلقًا بتكن.
وقرأ ابن عباس {تَكُنْ} بالتأنيث و{ءايَةً} بالنصب كقراءة من قراءة {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتأنيث فتنتهم بالنصب {إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23] وكقول لبيد يصف العير والاتان:
فمضى وقدمها وكانت عادة ** منه إذا هي عردت أقدامها

وذلك إما على تأنيث الاسم لتأنيث الخبر، وإما لتأويل {أَن يَعْلَمَهُ} بالمعرفة وتأويل أن قالوا بالمقالة وتأويل الإقدام بالمقدمة، ودعوى اكتساب التأنيث فيه من المضاف إليه ليس بشيء لفظ شرطه المشهور.
وقرأ الجحدري تعلمه بالتأنيث على أن المراد جماعة علماء بني إسرائيل وكتب في المصحف {علمؤا} بواو بين الميم والألف.
ووجه ذلك بأنه على لغة من يميل ألف علماء إلى الواو كما كتبوا الصلوة والزكوة والربو بالواو على تلك اللغة.
{وَلَوْ نزلناه} أي القرآن كما هو بمنظمه الرائق المعجز {على بَعْضِ الاعجمين} الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية، وهو جمع أعجمي كما في التحرير وغيره إلا أنه حذف ياء النسب منه تخفيفًا.
مثله الأشعرين جمع أشعري في قول الكميت:
ولو جهزت قافية شرودا ** لقد دخلت بيوت الأشعرينا

وقد قرأه الحسن وابن مقسم بياء النسب على الأصل، وقال ابن عطية: هو جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب والعجمي هو الذي نسبته في العجم خلاف العرب وإن كان أفصح الناس. انتهى.
واعترض بأن أعجم مؤنثه عجماء وأفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة، وأجيب بأن الأعجم في الأصل البهيمة العجماء لعدم نطقها ثم نقل أو تجوز به عما ذكر وهو بذلك المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جمع جمع السلامة، وتعقب بأنه قد صرح العلامة محمد بن أبي بكر الرازي في كتابه غرائب القرآن بأن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى العجماء ولو سلم أنه ليس له بذلك المعنى منؤنث فالأصل مراعاة أصله.
وفيه أن كون ارتفاع المانع لعارض مجوزًا مما صرح به النحاة.
ثم إن كون أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة مذهب البصريين والقراء وغيره من الكوفيين يجوزونه فلعل من قال: إنه جمع أعجم قاله بناء على ذلك.